المادة    
أجاب على هذا السؤال الشيخ: محمد القحطـاني حفظه الله .
السؤال: هل طلب الدعاء من النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد موته من الشرك الأكبر؟ وكيف يورد ابن كثير قصة العتبي؟
يجيب الشيخ محمد فيقول:
الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم
أعظم علامة في دعوة المصطفى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هي التوحيد، فهو إمام الموحدين صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولو كان أحد يسلم من الاتهام لسلم منه المصطفى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو أكرم خلق الله على الله، جاء بالتوحيد الخالص، فقيل له: ساحر ومجنون وكاهن... إلى آخر ما قيل في حقه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
لذلك فقد أمرنا الله تعالى بتجريد التوحيد له سبحانه، وكذلك أمر رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال سبحانه: ((فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَداً))[الجن:18]، والآيات في هذا كثيرة جداً، وقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : {إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله}، فإذا كان غضبه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حياته ثابتاً كما في الحديث الصحيح، وذلك عندما استُخْدِمَ حرفٌ من حروف اللغة استخداماً خاطئاً إذ قال له أحد الناس: ما شاء الله وشئت، فأجابه بقوله: {أجعلتني لله نداً؟ قل: ما شاء الله ثم شئت } أو كما قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإذا كان هذا في حياته صلى الله عليه وسلم فهل يعقل أن يدعى بعد موته؟!
إن من علامات نبوته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما يفهم من حديث: {اللهم لا تجعل قبري وثناً يعبد}، وقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {لا تطروني كما أطرت اليهود والنصارى أنبياءهم، إنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله}.
والتوسل برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ينقسم إلى أقسام:
1- منها ما هو مشروع.
2- ومنها ما هو بدعي.
3- ومنها ما هو شركي.
فأما التوسل السني: فهو الطلب منه في حال حياته، كأن يأتي إنسان ويقول: ادعُ لي يا رسول الله! ومن التوسل السني أيضاً أن يتوسل الإنسان بالعمل الصالح، كأن يقول: اللهم بحق إيماني بك وبنبيك صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اغفر لي، فهذا توسل سني.
أما التوسل البدعي: فهو مثل من يقول: اللهم بجاه رسول الله اغفر لي، فهذا بدعة، وكل بدعة مردودة على صاحبها، فلا يقبل العمل حتى يكون خالصاً لله وصواباً على وفق سنة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وأما التوسل الشركي: فهو الدعاء والاستغاثة برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من دون الله، كأن يقول: يا رسول الله! أمدني بمال، رد غائبي، هلك مالي، وما أشبه ذلك، وأذكر أنني رأيت في المطاف من يقول هذا، رأيته يطوف ويقول: يا رسول الله أتيت لتغفر لي!!
أقسم لكم بالذي خلقني وخلقكم أنني سمعت هذا بأذني!! فقلت له: يا أخي بيت من هذا؟ فقال: هذا بيت الله، فقلت: لماذا تدعو رسول الله من دون الله؟ قال: أنت وهابي تكره الرسول، دعك عني! فهذا هو الجهل المطبق، يطوف ببيت الله ويدعو غير الله...!
فدعاء رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والاستغاثة به من دون الله شرك أكبر لا شك في ذلك.
فالواجب على طلبة العلم وكل من بَصَّره الله بدينه أن يبين الخير للناس، وأن يرشد الناس إلى معرفة أمور دينهم ومعرفة المشروع والمسنون والبدعي والشركي منها حتى تقوم الحجة على الناس.
أما بالنسبة لما ذكره الحافظ ابن كثير من إيراده لقصة العتبي فهي قصة خرافية، ولعلماء السنة رحمهم الله منهج فيها على النحو التالي:
أولاً: من منهج علماء السنة أن من أسند فقد أحال، ومن أسند فقد برئ، فيمكن أن يأتي أحد الزنادقة، ويضع سنداً من عنده ليقوي هذه القصة، فعلماء الحديث رحمهم الله أحياناً يوردون القصة بسندها لتعرف ولو كانت ضعيفة ومنكرة، حتى يعرف هذا الطريق، فلا يقتربن أحد من تصحيحها، فقصة العتبي هذه غير صحيحة.
أما ذكر ابن كثير فكان الواجب أن ينبه على أنها غير صحيحة، لكن يجب أن نفهم أنه لا عصمة لأحد من البشر غير رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فمن الغريب أن نختلف حول قصة العتبي، وهي قصة غير صحيحة، ونترك ما اتفقت عليه الأمة، فقد جاء في الصحيح من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: [[اللهم إنا كنا إذا أجدبنا استسقينا بنبيك فتسقينا -أي نقول: يا رسول الله! ادعُ الله لنا- واليوم نستسقي بعم نبيك، يا عباس عم رسول الله! ادع الله لنا، فقال العباس: اللهم أغث المسلمين، اللهم ارحمهم، فأنزل الله الغيث والمطر]].
إذاً سؤال العبد فيما يستطيعه أمر مشروع، كأن تأتي إلى إنسان صالح مشهور بصلاحه وتقواه، فتقول: يا فلان! ادع الله لي أن يهديني، هذا أمر طيب، فباستطاعته يدعو ويبتهل إلى الله أن يغفر لك أو يرزقك، فـعمر بن الخطاب طلب من العباس، ولم يقل: اللهم بجاه نبيك، أو يا رسول الله ها نحن أصحابك هلكنا فادع الله أن يغيثنا؛ لأنهم رضوان الله عليهم تربوا على التوحيد وعلى صيانة جناب المصطفى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أن تُدنس دعوته بشيء يخرم دين الله.
فسؤال الحي فيما يقدر عليه أمر مشروع، مثلما فعل عمر بن الخطاب مع العباس رضي الله عنهما، أما قصة العتبي فهي موضوعة ولا عبرة بها.